الذكرى الخمسون للمسيرة الخضراء: نصف قرن من روح الوحدة التي لا تنطفئ
في سجل الأمم أيامٌ لا تُنسى، أيامٌ تُكتب بحروف من نور في ذاكرة الأجيال وتتحول إلى مصدر إلهام لا ينضب. ويوم السادس من نونبر 1975 هو أحد تلك الأيام الخالدة في تاريخ المملكة المغربية؛ يوم انطلقت فيه حناجر 350 ألف مغربي ومغربية تهتف بالحق والوحدة، في مسيرة سلمية أذهلت العالم وأعادت رسم خريطة الوطن. اليوم، وبعد مرور خمسين عامًا، نقف لنستحضر روح المسيرة الخضراء المظفرة، ليس كحدث تاريخي مضى، بل كروح متجددة تسري في شرايين الأمة وتُلهم مسيرتها نحو المستقبل.2m+3
جذور القصة: ما قبل 6 نوفمبر 1975
لم تكن المسيرة الخضراء وليدة لحظة عابرة، بل كانت تتويجًا لمسار طويل من الكفاح الوطني لاستكمال الوحدة الترابية للمملكة. فبعد حصول المغرب على استقلاله، بقيت أجزاء غالية من ترابه، خاصة في الجنوب، تحت وطأة الاستعمار الإسباني. خاض المغرب معارك دبلوماسية وقانونية مريرة لإثبات حقه التاريخي والسيادي على أقاليمه الصحراوية.communebenimellal
وجاء قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي ليؤكد وجود روابط بيعة وولاء تاريخية بين سلاطين المغرب وقبائل الصحراء، مما أعطى دفعة قوية للموقف المغربي. لكن الطريق إلى استرجاع الأرض لم يكن مفروشًا بالورود، وهنا تجلت العبقرية الفذة للملك الراحل الحسن الثاني، الذي قرر تحويل هذا المسار القانوني إلى ملحمة شعبية تاريخية.snrtnews
العبقرية الملكية: نداء الوطن
في 5 نونبر 1975، وجه المغفور له الحسن الثاني خطابًا تاريخيًا من مدينة أكادير إلى المتطوعين الذين لبوا نداء الوطن، خطابًا لا يزال صداه يتردد حتى اليوم:wikipedia
"غداً إن شاء الله ستخترق الحدود، غداً إن شاء الله ستنطلق المسيرة، غداً إن شاء الله ستطؤون أرضاً من أراضيكم وستلمسون رملاً من رمالكم وستقبلون أرضاً من وطنكم العزيز".howiyapress+1
كان هذا الخطاب بمثابة شعلة أوقدت حماس أمة بأكملها. لم يكن نداءً للحرب، بل كان دعوة للسلام؛ دعوة لمسيرة شعبية سلمية فريدة من نوعها في التاريخ الحديث، سلاحها الإيمان الراسخ بالحق، وزادها القرآن الكريم والعلم الوطني.snrtnews+1
ملحمة شعبية: 350 ألف صوت يهتف بالوحدة
استجاب 350 ألف مواطن ومواطنة من كل فئات المجتمع المغربي وشرائحه لنداء الملك، تاركين وراءهم كل شيء من أجل هدف أسمى: استكمال وحدة الوطن. كانت لوجستيات المسيرة وتنظيمها الدقيق مثالًا يُحتذى به في التعبئة الوطنية. رجال ونساء، شباب وشيوخ، من كل مدن وقرى المغرب، تجمعوا في طرفاية كنقطة انطلاق، متحدين في هدف واحد، يعكسون أروع صور التلاحم بين العرش والشعب.wikipedia+2
لم تكن مجرد أرقام، بل كانت قلوبًا تنبض بحب الوطن، وأرواحًا مستعدة للتضحية في سبيل وحدته، في مشهد أظهر للعالم أجمع قوة الإرادة المغربية وعمق الارتباط بالأرض.azemmourinfo24
قوة السلم: القرآن والعلم سلاحنا
أكثر ما ميز المسيرة الخضراء هو طابعها السلمي الحضاري. كانت توجيهات الملك الحسن الثاني واضحة وصارمة للمتطوعين: المسيرة سلمية، وإذا التقيتم بجندي إسباني فصافحوه وقاسموه طعامكم. هذه الفلسفة القائمة على اللاعنف جعلت من المسيرة حدثًا استثنائيًا، حيث تقدمت حشود بشرية هائلة بلا سلاح، مخترقة الحدود الوهمية، وهتافها "الله أكبر" يملأ الأفق. لقد كانت رسالة قوية مفادها أن الحقوق يمكن استردادها بقوة الإيمان والعزيمة السلمية، لا بقوة السلاح والعنف.howiyapress+2
من الميدان إلى الدبلوماسية: انتصار الإرادة
أمام هذا الزحف الشعبي السلمي المنظم، الذي حظي بتغطية إعلامية عالمية واسعة، لم يجد النظام الإسباني بدًا من الرضوخ للأمر الواقع والجلوس إلى طاولة المفاوضات. وفي 9 نوفمبر 1975، أعلن الملك الحسن الثاني أن المسيرة قد حققت أهدافها، وطلب من المتطوعين العودة إلى نقطة الانطلاق، لتبدأ مرحلة جديدة من العمل الدبلوماسي.doc.aljazeera+1
توج هذا النجاح الشعبي بتوقيع اتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 1975، التي أنهت رسميًا الوجود الإسباني في الصحراء، ليعود الحق إلى أصحابه وتكتمل الوحدة الترابية للمملكة. لقد أثبتت المسيرة أن الدبلوماسية يمكن أن تنتصر عندما يدعمها زخم شعبي حقيقي.wikipedia
روح المسيرة الخضراء: إرث يتجدد عبر الأجيال
بعد خمسين عامًا، ما الذي تبقى من المسيرة الخضراء؟ إنها "الروح" التي لا تزال حية ومتجددة. هذه الروح هي مزيج فريد من القيم التي تشكل جوهر الهوية المغربية الحديثة:alaan+2
-
الوحدة الوطنية: أظهرت المسيرة أن المغاربة، على اختلاف مناطقهم وثقافاتهم، يقفون صفًا واحدًا خلف ملكهم في القضايا الوطنية الكبرى.azemmourinfo24
-
التلاحم بين العرش والشعب: هي علاقة فريدة تجسدت في الاستجابة الفورية لنداء الملك، وهي علاقة لا تزال تمثل صمام الأمان للاستقرار والتنمية في المغرب.snrtnews
-
التضحية والفداء: استعداد 350 ألف مواطن للمخاطرة بحياتهم من أجل الوطن هو درس بليغ في الوطنية والتضحية للأجيال الصاعدة.attawabit+1
-
القوة السلمية: رسخت المسيرة مبدأ أن الحوار والوسائل السلمية هي الطريق الأمثل لحل النزاعات وتحقيق الأهداف الوطنية.azemmourinfo24
هذه الروح ليست مجرد شعارات، بل هي طاقة دافعة لمسيرة المغرب التنموية، وهي التي تلهم اليوم الشباب المغربي لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل بنفس العزيمة والإصرار.2m+1
50 عامًا بعد المسيرة: من التحرير إلى البناء والتنمية
منذ استرجاع الأقاليم الجنوبية، انطلقت مسيرة أخرى لا تقل أهمية: مسيرة التنمية والبناء. تحولت هذه الربوع من صحراء قاحلة إلى أقطاب اقتصادية واعدة، بفضل المشاريع الكبرى التي أطلقها المغرب في البنية التحتية، والصيد البحري، والطاقات المتجددة، والسياحة.2m
واليوم(31 أكتوبر2025)، تتزامن الذكرى الخمسون للمسيرة الخضراء مع انتصارات دبلوماسية متوالية، واعتراف دولي متزايد بمغربية الصحراء وبجدية مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي ودائم للنزاع المفتعل. إن التنمية المستدامة في الأقاليم الجنوبية هي أفضل تجسيد لروح المسيرة، حيث يتحول التحرير إلى بناء، والوحدة إلى ازدهار مشترك.hibapress+2
خاتمة: المسيرة مستمرة
تحتفل المملكة المغربية باليوم الذهبي للمسيرة الخضراء وهي أكثر قوة وعزمًا على حماية وحدتها الترابية ومواصلة مسيرتها التنموية. إن ذكرى 6 نوفمبر 1975 ليست مجرد احتفال بحدث تاريخي، بل هي تجديد للعهد بين المغاربة وملكهم، وتأكيد على أن روح المسيرة، بروحها السلمية وقيمها الوطنية، ستظل النبراس الذي يهتدي به المغرب في مسيرته نحو مستقبل أكثر إشراقًا ووحدة.
.jpg)
.png)
تعليقات
إرسال تعليق
يمكنكم طرح سؤالكم وملاحظاتكم هنا،سنجيب عنها في أقرب وقت،شكرا